نفحات سورة الفاتحة وأسرارها

سورة الفاتحة لها نفحات ربانية خاصة لمن يؤمن بها، ويتعامل معها، وقد يسمي بعض الصالحين هذه النفحات بأسرار سورة الفاتحة، والمقصود بالأسرا  أي الخصائص والميزات الي تحتويها سورة الفاتحة وتتميز بها عن غيرها من السور. فبعد الدعاء العام أو طلب الشفاء أو السقيا، أو النجاح أو الفرج أوالنصر أو غير ذلك، يقولون: اللهم استجب دعاءنا بأسرار سورة الفاتحة.

نفحات سورة الفاتحة وأسرارها

فما هي هذه النفحات أو الأسرار لسورة الفاتحة؟

أولا: هي أول سورة من القرآن الكريم نزلت كاملة.فأول آيات نزلت على سيدنا محمد ﷺ وهو في غار حراء يتحنث، آيات من سورة العلق (اقرأ).ولكن أول سورة كاملة نزلت على سيدنا محمد ﷺ سورة الفاتحة.

ثانيا: هي أول سورة في القرآن الكريم من حيث الترتيب، فشرفها الله عز وجل بأن افتتح بها القرآن الكريم.

ثالثا: سماها الله عز وجل السبع المثاني وخصها بأن ذكرها ذكرا خاصا، مع ذكر القرآن الكريم فقال سبحانه  ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾.  (الحجر: 8٧)

فالفاتحة وإن هي من القرآن وأول سورة فيه، لكن الله عز وجل خصها بذكر خاص. والمثاني جمع مثني من التثنية، وهي تعني هنا التكرار والإعادة فهي تكرر وتعاد في كل ركعة من ركعات الصلاة وعدد آياتها سبع مع البسملة، كما أنها تقرأ وتكرر بعد الدعاء وغيره.

رابعا: من نفحات سورة الفاتحة وأسرارها أن لها خصائص وصفات خاصة بها، فهى أولا أعظم سورة في القرأن، وهى ثانيا هي أم القرآن، وهي ثالثا خير القرأن، وهي رابعا أفضل القرآن والدليل عما ذكرناه ما ورد.

عن النبي ﷺ:عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ ( مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ ‏"‏ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ ‏"‏‏.‏ فَقُلْتُ كُنْتُ أُصَلِّي‏.‏ فَقَالَ  َألَمْ يَقُلِ اللَّهُ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ‏}‏ ثُمَّ قَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ‏"‏ فَذَهَبَ ﷺ لِيَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ ‏"‏‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ‏).‏ صحيح البخاري 

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ والمقصود من قوله: (والقرآن العظيم أنها تحمل مجمل معاني القرآن ومقاصده).

وعن ابو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ (القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) (أخرجه البخاري، كتاب التفسير: وقال رسول الله ﷺ:(ما أنزل الله في التوراة و الإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل).(أخرجه الترمذي)

وعن ابن جابر، قال:( انتهيت إلى رسول الله وقد أهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي،  فانطلق رسول الله يمشي، وأنا خلفه، حتى دخل رحلة، ودخلت أنا إلى المسجد، فجلست كئيبا حزينا، فخرج علي رسول الله قد تطهر، فقال:عليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله، ثم قال: ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها).(أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن جابر، ١٣٩/٢٩)

خامسا: من نفحات سورة الفاتحة وأسرارها أنها نور بشر به ملك من السماء النبى ﷺ: عن ابن عباس قال: (بينما جبريل قاعد عند النبي ،سمع نقيضا - أي: صوتا كصوت صرير الباب. إذا فتح من فوقه، فرفع رأسه، فقال: «هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيتة). (أخرجه مسلم) إذن فاتحة الكتاب هي أيضا نور من فضل الله لنبيه، ونرجو أن تكون أيضا لقارئها ليعط نورها عند قراءتها.

سادسا: قال العلماء في تسميتها السبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة،أن سورة الفاتحة لخصت وتضمنت معاني القرآن الكريم كله. واشتملت على أصول الدين وفروعه وتناولت العقيدة والعبادة والتشريع، والإيمان بالبعث، وصفات الله الحسني، وإفراده بالعبادة والاستعانة، والدعاء والإرشاد إلى طلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم.وكل ذلك يلاحظ عند التعمق في فهم معاني كلمات سورة الفاتحة.

سابعا: من أسرار هذه السورة ونفحاتها أن العلماء استنبطوا لها أسماء كثيرة، أكثر من ثلاثين اسما فهي سورة الفاتحة، لفتح ثلاثة أشياء، فاتحة للقرآن الكريم، وفاتحة لمعاني سور القرآن كله، وفاتحة للصلاة.

وقد ذكر القرطبي أن للفاتحة اثني عشر اسما ومنها: (فاتحة الكتاب- أم الكتاب- أم القرآن- الحمد-السبع المثاني- الصلاة- الشفاء- الشافية- الرقية- الكافية- الكنز).

ثامنا: هي ركن من أركان الصلاة لا تقبل الصلاة إلا بها، وهي تكرر في كل ركعة، وأقلها في الفرائض تكرر سبع عشرة مرة، ومع النوافل تصل إلى أكثر من ثلاثين مرة. وقال رسول الله ﷺ:(من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج) أي غير صالحة. (أخرجه مسلم)

 ولذا قال علماء الدين وعلماء النفس أن وراء تكرارها قوة كامنة وطاقة روحية تدفع بالمسلم للحياة مع كل مشاغلها بكل ثقة وهمة فهي تبعث في النفس طاقة روحية عميقة عجيبة على مدار اليوم والليلة، فيعاود عمله بعد كل صلاة بطاقة روحية جديدة وهمة متجددة، أليس ما يدل على هذا ما أشار إليه قول النبي محمد  ﷺ.روى سام بن أبي الجعد، قال: قال رجل: ليتي صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها. أحرجه أبو داود)

تاسعا: إن من أسرارها أن جميع المسلمين يحفظوها صغارا و كبارا، عربا أوغير عرب، متعلمين وأمين، وجميع المسلمين يقرؤونها ويرددونها كل يوم مرات عدة في الصلاة وغيرها باللغة العربية كما نزلت على سيدنا محمد ﷺ.

عاشرا: ومن أسرارها أن المسلم كلما تعمق في كلماتها انفتح له من أبواب العلم والفهم الشيء الكثير، وانفتح له من المعاني والأسرار الكثيرة، وسينفتح لنا ذلك أكثر عندما نأتي إلى البحث الثاني في دراسة نفحات وأسرار معاني سورة الفاتحة وكلماتها بالتفصيل.

الحادي عشر: من أسرارها أن فيها شفاء للقلوب وشفاء للأجسام قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾. (الإسراء: ٨٢) إذن في القرآن الكريم آيات فيها شفاء ورحمة للمؤمنين الذين آمنوا باليقين بآثارها في الشفاء، وأما غير المقتنع فهو ظالم لنفسه ولا تزيده إلا خسارا.

الثاني عشر: من نفحات سورة الفاتحة وأسرارها أن لها خصوصية تميزها عن باقي السور، فهي خطاب وحوار بين العبد وبين رب العالمين. وأما سائر سور القرآن فإن أسلوب الكلام فيها مو جه من الله إلى العباد.

وفي خصوصية الفاتحة تعليم من الله لعباده كيف يثنون عليه ويتقربون إليه تفضلا منه سبحانه وتكريما لهذا الإنسان و إعزازا. قال الله في الحديث القدسي، ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال:ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ، قال: مجدني عبدي  فإذا قال:إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ  قالهذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (6) صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ. قال ولعبدي ما سأل). (أخرجه مسلم)

في الختام: تظل سورة الفاتحة من أعظم السور التي أنزلها الله تعالى على نبيه الكريم محمد ﷺ. فهي السورة التي تتضمن خلاصة العقيدة الإسلامية وتوحيد الله سبحانه وتعالى، وتوضح الطريق المستقيم الذي ينشده كل مسلم. تجسد سورة الفاتحة الدعاء الصادق لطلب الهداية والرحمة، وتعد بمثابة الشفاء الروحي والنفسي لكل من يتدبر آياتها بعمق. إن فهم معاني هذه السورة والتأمل في نفحاتها يعزز الإيمان ويقرب المسلم من ربه، مما يجعلها بحق أم الكتاب وركيزة أساسية في حياة كل مسلم.


تعليقات