نزول القرآن الكريم: رحلة الوحي الإلهي إلى الأرض

نزول القرآن الكريم رحلة الوحي الإلهي إلى الأرض

ما هي كيفية نزول القرآن الكريم

القرآن الكريم : أنزله الله تبارك وتعالى على رسولنا محمد لهداية البشر أجمعين فكان نزوله حدثاً عظيماً يشير إلى مكانته لدى أهل السماء وأهل الأرض. وقد شرف الله هذا القرآن بأن جعل له تنزلات ثلاث .

التنزل للقرآن الكريم

التنزل الأول: إلى اللوح المحفوظ، ودليله قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْءَ ان تجيد في لوح محفوظ) ولقد كان هذا التنزل إلى اللوح المحفوظ بطريقة وفي وقت لا يعلمهما إلا الله تعالى ومن أطلعه على غيبه من خلقه. وكان جملة لا مفرقاً. وهذا هو الظاهر من اللفظ القرآني عند الإطلاق. ولأن أسرار تنجيم القرآن على النبي ﷺ لا يعقل تحققها في هذا التنزيل لأن الرسول لم يكن قد بعث بعد .

التنزيل الثاني: كان إلى بيت العزة في السماء الدنيا.  والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى ( إِنَّا أَنزَلْتَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) .وقوله تعالى : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَرَكَةٍ ). وقوله تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)  . وقد دلت هذه الآيات الثلاث على أن القرآن أنزل في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة أخذاً من آية سورة الدخان، وتسمى ليلة القدر أخذاً من سورة القدر، علي من ليالي شهر رمضان أخذاً من آية سورة البقرة. وهذا التنزل أيضاً كان جملة لا منجماً. وهذا التنزل الثاني يعتبره بعض العلماء التنزل الأول .

التنزل الثالث: كان بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام حيث نزل به منجماً (أي مفرقاً على قلب المصطفى ، على مدى ثلاث وعشرين سنة، وهذه هي فترة نزول الوحي من حين البعثة إلى وفاته . ولقد كانت هذه المرحلة الأخيرة للتنزلات الثلاثة هي التي شع منها النور على العالم ووصلت بها هداية الله تعالى إلى الخلق .

ودليل هذا التنزل الأخير قول الله تعالى مخاطباً للرسول عليه الصلاة ولا والسلام ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِي مُبِينٍ) ودليل نزول القرآن منجماً قول الله تعالى : ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا) . وقوله تعالى : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) . صدق الله العظيم . والله تعالى أعلم .

مراحل جمع القرآن وتدوينه

جمع القرآن الكريم أي بمعنى كُتب على ثلاث مراحل .

  • المرحلة الأولى : جمعه في العهد النبوي الشريف.
  • المرحلة الثانية : جمعه في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
  • المرحلة الثالثة : جمعه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .

كيف كانت طريقة كتابته في عهد رسول الله ﷺ

كانت طريقة جمعه في العهد النبوي الشريف، عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها. فقد كانوا يكتبون القرآن على العسيب. هوجريد النخل،  واللخاف، وهي الحجارة الرقيقة، والرقاع، وهي الجلد او الورق وعظام الأكتاف وغيرها. وذلك لأن صنع الورق لم يكن مشتهراً عند العرب في ذلك الوقت. بل كان عند الفرس والروم. ويصعب الحصول عليه في ذلك الحين .

ما هو المقصود من هذا الجمع 

المقصود من هذا الجمع أي الذي بمعنى الكتابة) زيادة التحري في ضبط ألفاظ القرآن وحفظ كلماته زيادة على ما في ذلك من تقديس القرآن والتنبيه على رفعة شأنه كما كان الشأن في تقييد الأشياء النفيسة. هذا وإن كان المعمول به في ذلك الوقت هو مجرد الحفظ في الصدور. وكانت صدورهم منشرحة القرآن تماماً حفظاً وكتابة وتطبيقاً لأحكامه .

فكيف جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

أما جمعه في عهد أبي بكر الصديق فكان عبارة عن نقل القرآن جميعه من العسيب واللخاف والرقاع والعظام وكتابته في مكان واحد وهي الصحف مرتبة الآيات والسور مقتصرة فيه على ما ثبتت قرآنيته بالتواتر.

وكان الغرض من هذا الجمع الاحتياط والمبالغة في حفظ هذا الكتاب خوفاً عليه أو على شيء منه من الضياع بسبب موت كثير من حملته وحفاظه الكبار الذين قتل منهم عدد يزيد على (۷۰) سبعين في معركة اليمامة. 

وقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال : أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة (أي عقب استشهاد كبار الحفاظ فإذا عمر جالس عنده، فقال أبو بكر: إن عمر جاءني فقال إن القتل قد استحر(أي كثر واشتد) - يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن فيذهب من القرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت: وكيف أفعل ما لم يفعله رسول الله ﷺ ، فقال عمر رضي الله عنه : هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر عمر، ورأيت في ذلك ذلك الذي رأى. 

قال زيد بن ثابت، فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك. وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ فتتبع القرآن واجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ قال: (أي أبو بكر هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر. 

فتتبعت القرآن أجمعه من العسيب واللخاف وصدور الرجال. ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنفُسِكُر (1) إلخ . أي حتى خاتمة سورة براءة. فكانت هذه هي الصحف الأولى للقرآن الكريم التي كانت عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين. فهذه الرواية دلت على سبب وطريقة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. رواه البخاري (٢)

كيف جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه

الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه للقرآن كان عبارة عن نقل ما في الصحف السابقة في مصحف هو الإمام. ثم نسخت منه مصاحف أرسلت إلى الأقطار الإسلامية. وكان المقصود من جمع القرآن وكتابته في تلك المصاحف، الاقتصار على ما ورد من القراءات ثابتة المتواترة دون ما لم يكن كذلك من الأوجه التي نزلت أولاً للتيسير. ثم نسخت بالعرضة الأخيرة من الرسول ﷺ على أمين الوحي جبريل عليه السلام .

وفي سبب جمع عثمان للقرآن الكريم روى البخاري  عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب (أي القرآن) اختلاف اليهود والنصارى. 

فأرسل عثمان إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في مصحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في مصحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى نسخوا الصحف في المصحف الإمام. ثم نسخوا منه نسخاً. ورد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحف أن يحرق .

 ما الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان للقرآن

الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان نستطيع أن نحدده فيما يأتي:

أولاً : الجمع في عهد أبي بكر كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات. وكان من العسيب واللخاف والرقاع . وكان سبب الجمع هو موت كثير من الحفاظ في معركة اليمامة .

ثانياً : أما جمع عثمان فكان عبارة عن نسخ عدة نسخ من الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر إلى مصاحف لترسل إلى الآفاق الإسلامية. وكان سبب النسخ هو اختلاف القراء) في قراءات القرآن . والله تعالى أعلم .

تعليقات