الحالة الدينية
كانت الأمة العربية في تلك الفترة تعاني من تدهور ديني واضح، حيث سيطرت عليها الوثنية التي اتسمت بالابتعاد التام عن جوهر العقيدة السليمة. انتشرت عبادة الأصنام بين القبائل العربية، وكان لكل قبيلة صنم خاص بها، مثل "سواع" لهذيل بن مدركة، و"ودّ" لقبيلة كلب، و"يغوث" لمذحج، و"يعوق" لحِواءان، وغيرها. كما ظهرت أصنام أخرى كانت موضع تعظيم كبير، مثل إساف ونائلة ومناة واللات والعزى. إلى جانب هذه الأصنام الكبيرة، امتلأت حياة العرب بعدد هائل من الأصنام الصغيرة التي رافقتهم في أسفارهم وأماكن إقامتهم.اتفقت الروايات على أن هذه الوثنية المهيمنة حالت بينهم وبين معرفة الله والتوحيد الخالص. كانت علاقتهم بالإله تقوم على فكرة الوساطة بين الأصنام والله، مما قادهم بعيدًا عن الإيمان الحقيقي. ورغم هذا الانحراف، بقيت آثار ضعيفة لبعض تعاليم دين إبراهيم عليه السلام، لكنها تضررت بفعل التحريف والإضافات التي شوهتها. وصل الأمر إلى أن تحول الحج من عبادة خالصة إلى موسم للفخر والتفاخر الاجتماعي والمنافسات القبلية.
ظهرت في ذلك الجو المظلم بعض الشخصيات الفريدة التي بقيت متمسكة بشريعة التوحيد ورفضت عبادة الأصنام. كان زيد بن عمرو بن نفيل من هؤلاء الحنفاء، حيث رفض النذر للأصنام وأبى أكل الميتة والدم. كذلك برز قس بن ساعدة الإيادي كواحد من الدعاة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، واتسم بحكمته ونباهته. دعوته كانت واضحة نحو ترك الوثنية والإيمان بالله واليوم الآخر.
بل إنه بشر بقدوم النبي محمد ﷺ في إحدى خطبه الشهيرة بسوق عكاظ، مشيرًا إلى الحق الذي سيأتي من مكة ومؤكدًا أهمية تصديقه واتباعه. على الرغم من عدم إدراكه نبوة النبي ﷺ، فقد سبق موته بعثته بزمن قصير. ومثل هذا الخليط من الوثنية والانحراف والتوحيد الفردي القائم على مبادئ الحنيفية يقدم صورة واضحة عن الواقع الديني الذي كانت تعيشه الجزيرة العربية قبل الإسلام.
الحالة السياسية
تميزت الحياة الاجتماعية في الجزيرة العربية بانقسام سكانها إلى بدو وحضر، حيث ساد النظام القبلي بينهم حتى في أكثر الممالك تطورًا، مثل مملكة اليمن في الجنوب، ومملكة الحيرة في الشمال الشرقي، ومملكة الغساسنة في الشمال الغربي. ومع ذلك، لم تتوحد القبائل تحت كيان شعبي موحد، بل حافظت على استقلالها الداخلي كوحدات متماسكة. كانت القبيلة العربية عبارة عن تجمع بشري يرتبط أفراده بوحدة الدم والنسب، فضلاً عن وحدة الجماعة. ونتيجة لهذه الروابط، تطورت قوانين عرفية تنظم العلاقة بين الفرد والجماعة على أساس التضامن المتبادل في الحقوق والواجبات، وظلت هذه القوانين العرفية حجر الأساس للنظام السياسي والاجتماعي للقبيلة.
كان زعيم القبيلة يُختار بناءً على منزلته القبلية وصفاته الشخصية، مثل الشجاعة والمروءة والكرم. وتمتع رئيس القبيلة بحقوق أدبية ومادية. فمن أبرز حقوقه الأدبية: احترامه وتقديره، وطاعة أوامره، والاحتكام إلى حكمه. أما حقوقه المادية، فشملت "المرباع" وهو ربع الغنيمة، و"الصفايا" وهو ما يختاره لنفسه من الغنيمة قبل تقسيمها، و"النشيطة" وهي الغنائم التي يتم الحصول عليها قبل المواجهة الرسمية مع العدو، و"الفضول" وهي الأجزاء التي لا تُقسم من الغنائم.
بالمقابل، كان زعيم القبيلة يتحمل مسؤوليات متعددة؛ فهو في وقت السلم يُظهر الجود والكرم، وفي الحرب يقود الصفوف الأمامية ويُبرم الصلح والمعاهدات. وتحت مظلة النظام القبلي، عاشت القبائل في بيئة تسودها الحرية الفردية، فقد تربى العربي في مناخ طليق يقدس الحرية، ما جعلها من أبرز سماتهم. كانوا يعشقون الحرية ويرفضون الظلم والإذلال، ويناصرون قبائلهم دائمًا سواء كانوا على حق أو باطل، وفقًا لمبدأ انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا.
تمتعت كل قبيلة بشخصيتها السياسية المستقلة التي مكنتها من عقد تحالفات مع القبائل الأخرى أو خوض الحروب ضدها. وأبرز التحالفات التي عرفتها العرب كان حلف الفضول وحلف المطيبين. ومع انتشار الحروب بين القبائل، كان أبرزها حرب الفجار. وإلى جانب هذه الحروب الكبرى، شهدت القبائل غارات فردية كانت تنجم أحيانًا عن خلافات شخصية أو سعياً وراء الكسب المعيشي، حيث كان بعض القبائل يعتمد على الغزو لتأمين مصادر رزقها. وهذا جعل حياتهم محفوفة بالخطر الدائم، إذ كانت القبائل مهددة بالهجوم المفاجئ في أي وقت، ما قد يؤدي إلى سلب أنعامها ومؤنها وترك ديارها خاوية تمامًا.
الحالة الاقتصادية
تنتشر الصحارى الواسعة في معظم أراضي الجزيرة العربية، مما جعل الزراعة تقتصر على المناطق الطرفية مثل اليمن والشام وبعض الواحات المنتشرة في مختلف أنحاء الجزيرة. واتسمت حياة البادية باعتمادها على رعي الإبل والغنم، مع انتقال القبائل بشكل دائم بحثًا عن مراعي الكلأ، حيث لم يكن السكان يعرفون الاستقرار إلا ضمن مضارب خيامهم.
أما الصناعة، فقد كانت بعيدة عن اهتمام العرب آنذاك؛ إذ كانوا ينفرون منها، فتركوها للأعاجم والموالي. ويُذكر أنه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة، استعانوا برجل قبطي جاء إلى مكة بعد أن نجا من غرق في إحدى السفن قرب جدة.
وبالرغم من افتقار الجزيرة إلى الزراعة والصناعة، فإن موقعها الاستراتيجي بين إفريقيا وشرق آسيا منحها أهمية تجارية كبيرة. وكانت التجارة مزدهرة خاصة في المدن، وعلى رأسها مكة، التي تمتع أهلها بمكانة فريدة بين العرب لكونهم سكان الحرم. هذه المكانة حمت تجارتهم من أي اعتداءات، كما جاء في القرآن الكريم: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ».
اشتهرت قريش برحلتيها الشهيرتين: رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام. سار التجار خلالهما بأمان تام، بينما كان الخطر مستشرًا حولهم. وإلى جانب هاتين الرحلتين الرئيسيتين، نظمت قريش رحلات تجارية أخرى على مدار العام، كما ورد في قوله تعالى:«لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ،إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ،فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ ،الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ».
كانت القوافل التجارية تحمل بضائع متنوعة تشمل الطيب، البخور، الصمغ العربي، اللبان، التوابل، التمور، العطور، الأخشاب العطرية، العاج، الأبنوس، الجلود، المنسوجات الحريرية، والأسلحة. كما تضمنت منتجات مستوردة من خارج الجزيرة العربية لتصديرها إلى الشام وغيرها. وفي المقابل كانت القوافل تعود محملة بالقمح، الحبوب، الزبيب، الزيتون، والمنسوجات الشامية.
برز اليمنيون بمهارتهم التجارية سواء على البر أو البحر. وصلت أسفارهم إلى سواحل إفريقيا والهند وإندونيسيا وسومطرة وغيرها من بلاد آسيا وجزر المحيط الهندي. وبعد اعتناقهم الإسلام كان لهم دور مهم في نشر الدعوة في تلك المناطق.
إلى جانب ذلك، كان الربا ظاهرة منتشرة في الجزيرة العربية، ويُرجَّح أن تسلل هذا الأمر إلى العرب عن طريق اليهود. مارس الربا الأشراف وغيرهم، وأحيانًا وصلت نسبته إلى أكثر من مائة بالمائة.
كانت للعرب أسواق مشهورة مثل سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز. ووفقًا لبعض الروايات، اعتاد العرب أن يجتمعوا في سوق عكاظ مع بداية ذي القعدة، ثم ينتقلون إلى مجنة بعد عشرين يومًا منه. ومع ظهور هلال ذي الحجة، كانوا يتوجهون إلى ذو المجاز ليبقوا فيه مدة ثماني ليالٍ قبل التوجه إلى عرفة. وكان البيع والشراء محظورًا عليهم في عرفة وأيام منى حتى جاء الإسلام وأباح لهم ذلك كما ورد في قوله تعالى: « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ».