العالم قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم:  قصص وحقائق مدهشة

العالم قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم  قصص وحقائق مدهشة

العالم قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم

الحضارات السائدة قبل البعثة ودياناتها

الإمبراطورية الرومانية

كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية تعرف بالإمبراطورية البيزنطية، فكانت تحكم دول اليونان، والبلقان، وآسيا وسورية وفلسطين، وحوض البحر المتوسط بأسره، ومصر، وكل إفريقية الشمالية، وكانت عاصمتها القسطنطينية. 

وكانت دولة ظالمة مارست الظلم والجور، والتعسف على الشعوب التي حكمتها، وضاعفت عليها الضرائب، وكثرت الاضطرابات والثورات، وكانت حياتهم العامة قائمة على كل أنواع اللهو واللعب، والطرب والترف.

أما مصر فكانت عرضة للاضطهاد الديني والاستبداد السياسي واتخذها البيزنطيون شاة حلوبًا يحسنون حلبها، ويسيئون علفها .

وأما سورية فقد كثرت فيها المظالم والرقيق، ولا يعتمدون في قيادة الشعب إلا على القوة، والقهر الشديد. وكان الحكم حكم الغرباء، الذي لا يشعر بأي عطف على الشعب المحكوم، وكثيرا ما كان السوريون يبيعون أبناءهم، ليوفوا ما كان عليهم من ديون. 

كان المجتمع الروماني مملوءًا بالتناقض والاضطراب، وقد جاء تصويره في كتاب الحضارة ماضيها وحاضرها كالآتي : وكان هناك تناقض هائل في الحياة الاجتماعية للبيزنطيين، فقد رسخت النزعة الدينية في أذهانهم، وعمت الرهبانية، وشاعت في طول البلاد وعرضها. 

وأصبح الرجل العادي في البلاد يتدخل في الأبحاث الدينية العميقة، والجدل البيزنطي، ويتشاغل بها، كما طبعت الحياة العادية العامة بطابع المذهب الباطني، ولكن نرى هؤلاء  في جانب آخر حريصين أشد الحرص على كل نوع من أنواع اللهو واللعب والطرب والترف. 

فقد كانت هناك ميادين رياضية  واسعة، تتسع لجلوس ثمانين ألف شخص يتفرجون فيها على مصارعات بين الرجال والرجال أحيانًا، وبين الرجال والسباع أحيانًا أخرى، وكانوا يقسمون الجماهير في لونين. لون أزرق ولون أخضر، لقد كانوا يحبون الجمال، ويعشقون العنف والهمجية، وكانت ألعابهم دموية ضارية أكثر الأحيان، وكانت عقوبتهم فظيعة تقشعر منها الجلود، وكانت حياة سادتهم وكبرائهم عبارة عن المجون والترف والمؤامرات والمجاملات الزائدة والقبائح والعادات السيئة .

الإمبراطورية الفارسية

كانت الإمبراطورية الفارسية تعرف بالدولة الفارسية أو الكسروية، وهي أكبر وأعظم من الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وقد كثرت فيها الديانات المنحرفة، كالزرادشتية، والمانية التي أسسها ماني في أوائل القرن الثالث الميلادي. 

ثم ظهرت المزدكية، في أوائل القرن الخامس الميلادي التي دعت إلى الإباحية في كل شيء، مما أدى إلى انتشار ثورات الفلاحين، وازدياد النهابين للقصور، فكانوا يقبضون أو يأسرون النساء، ويستولون على الأملاك والعقارات فأصبحت الأرض والمزارع والدور كأن لم تسكن من قبل.

وكان ملوكهم يحكمون بالوراثة، ويضعون أنفسهم فوق بني آدم ؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم من نسل الآلهة، وأصبحت موارد البلاد ملكا لهؤلاء الملوك، يتصرفون فيها ببذخ لا يتصور، ويعيشون عيش البهائم، حتى ترك كثير من المزارعين أعمالهم، أو دخلوا الأديرة والمعابد فرارا من الضرائب، والخدمة العسكرية، وكانوا وقودًا حقيرا في حروب طاحنة مدمرة، قامت في فترات من التاريخ، دامت سنين طوالاً بين الفرس والروم، لا مصلحة للشعوب فيها إلا تنفيذ نزوات ورغبات الملوك .

 الحضارة الهندية

اتفقت كلمة المؤرخين على أن الهند كانت في أحط أدوارها ديانة وخلقا واجتماعا، وسياسة، ذلك العهد الذي يبتدىء من مستهل القرن السادس الميلادي، فانتشرت الخلاعة حتى في المعابد لأن الدين أعطاها لونا من القدس والتعبد. 

وكانت المرأة لا قيمة لها ولا عصمة، وانتشرت عادة إحراق المرأة المتوفى زوجها، وامتازت الهند عن أقطار العالم بالتفاوت الفاحش بين طبقات الشعب، وكان ذلك تابعا لقانون مدني سياسي ديني وضعه المشرعون الهنديون، الذين كانت لهم صفة دينية، وأصبح هو القانون العام في المجتمع ودستور حياتهم. 

وكانت الهند في حالة فوضى وتمزق انتشرت فيها الإمارات التي اندلعت بينها الحروب الطاحنة، وكانت بعيدة عن أحداث عالمها في عزلة واضحة يسيطر عليها التزمت، والتطرف في العادات والتقاليد، والتفاوت الطبقي والتعصب الدموي والسلالي. 

وقد تحدث مؤرخ هندوكي - أستاذ التاريخ في إحدى جامعات الهند - عن عصر سابق لدخول الإسلام في الهند فقال: كان أهل الهند منقطعين عن الدنيا، منطوين على أنفسهم، لا خبرة عندهم بالأوضاع العالمية، وهذا الجهل أضعف موقفهم، فنشأ فيهم الجمود وعمت فيهم أمارات الانحطاط والتدهور. كان الأدب في هذه الفترة بلا روح، وهكذا كان الشأن في الفن المعماري، والتصوير، والفنون الجميلة الأخرى .

وكان المجتمع الهندي راكدًا جامدا، كان هناك تفاوت عظيم بين الطبقات، وتمييز معيب بين أسرة وأسرة، وكانوا لا يسمحون بزواج الأيامى، ويشددون على أنفسهم في أمور الطعام والشراب، أما المنبوذون فكانوا يعيشون مضطرين خارج بلدهم ومدينتهم .

كان تقسيم سكان الهند إلى أربع طبقات:

  1. طبقة الكهنة ورجال الدين، وهم البراهمة».
  2. ورجال الحرب والجندية، وهم شترى».
  3. ورجال الفلاحة والتجارة، وهم ويش».
  4. ورجال الخدمة وهم شودر»، وهم أحط الطبقات، فقد خلقهم خالق الكون - في زعمهم الجاهلي - من أرجله، وليس لهم إلا خدمة هذه الطبقات الثلاث وإراحتها .

وقد منح هذا القانون البراهمة مركزًا ومكانة لا يشاركهم فيها أحد، والبرهمي رجل مغفور له، ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه وأعماله، ولا يجوز فرض جباية عليه، ولا يعاقب بالقتل في حال من الأحوال. أما شودر فليس لهم أن يقتنوا مالاً، أو يدخروا كنزا، أو يجالسوا برهميا، أو يمسوه بيدهم، أو يتعلموا الكتب المقدسة .

أحوال العالم الدينية قبل البعثة المحمدية

كانت الإنسانية، قبل بزوغ فجر الإسلام العظيم، تعيش مرحلة من أحط مراحل التاريخ البشري في شؤونها الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعاني من فوضى عامة في جميع شؤون حياتها؛ وهيمن المنهج الجاهلي على العقائد والأفكار، والتصورات والنفوس، وأصبح الجهل والهوى والانحلال والفجور، والتجبر والتعسف، من أبرز ملامح المنهج الجاهلي المهيمن على دنيا الناس .

وضاع تأثير الديانات السماوية على الحياة أو كاد بسبب ما أصابها من التبديل والتحريف، والتغيير الذي جعلها تفقد أهميتها باعتبارها رسالة الله إلى خلقه، وانشغل أهلها بالصراعات العقدية النظرية التي كان سببها دخول الأفكار البشرية والتصورات الفاسدة على هذه الأديان، حتى أدى إلى الحروب الطاحنة بينهم، ومن بقي منهم لم يحرف ولم يبدل قليل نادر وآثر. 

الابتعاد عن دنيا الناس، ودخل في حياة الخلوة والعزلة، طمعا في النجاة بنفسه، يأسا من الإصلاح. ووصل الفساد إلى جميع الأصناف والأجناس البشرية، ودخل في جميع المجالات بلا استثناء، ففي الجانب الديني تجد الناس إما أن ارتدوا عن الدين، أو خرجوا منه، أو لم يدخلوا فيه أصلاً، أو وقعوا في تحريف الديانات السماوية، وتبديلها. 

أما في الجانب التشريعي، فإن الناس نبذوا شريعة الله وراءهم طهريا، واخترعوا من عند أنفسهم قوانين، وشرائع لم يأذن بها الله تصطدم مع العقل وتختلف مع الفطرة. وتزعم هذا الفساد زعماء الشعوب والأمم من القادة والرهبان، والقساوسة والدهاقين، والملوك، وأصبح العالم في ظلام دامس وليل بهيم وانحراف عظيم عن منهج الله سبحانه وتعالى.

فاليهودية : أصبحت مجموعة من الطقوس والتقاليد لا روح فيها، ولا حياة. وتأثرت بعقائد الأمم التي جاورتها واحتكت بها، والتي وقعت تحت سيطرتها، فأخذت كثيرا من عاداتها وتقاليدها الوثنية الجاهلية. 

وقد اعترف بذلك مؤرخو اليهود، فقد جاء في دائرة المعارف اليهودية. إن سخط الأنبياء وغضبهم على عبادة الأوثان يدل على أن عبادة الأوثان والآلهة، كانت قد تسربت إلى نفوس الإسرائيليين، ولم تستأصل شأفتها إلى أيام رجوعهم من الجلاء والنفي في بابل، وقد اعتقدوا معتقدات خرافية وشركية إن التلمود أيضا يشهد بأن الوثنية كانت فيها جاذبية خاصة لليهود .

إن المجتمع اليهودي قبل البعثة المحمدية قد وصل إلى الانحطاط العقلي، وفساد الذوق الديني، فإذا طالعت تلمود ،بابل، الذي يبالغ اليهود في تقديسه والذي كان متداولاً بين اليهود في القرن السادس المسيحي. تجد فيه نماذج غريبة من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق والتلاعب بالدين والعقل .

أما المسيحية: فقد امتحنت بتحريف الغالين وتأويل الجاهلين واختفى نور التوحيد وإخلاص العبادة الله وراء السحب الكثيفة ، واندلعت الحروب بين النصارى في الشام والعراق، وبين نصارى مصر حول حقيقة المسيح وطبيعته. وتحولت البيوت والمدارس والكنائس إلى معسكرات متنافسة وظهرت الوثنية في المجتمع المسيحي في مظاهر مختلفة، وألوان شتى، فقد جاء في تاريخ المسيحية في ضوء العلم المعاصر.

لقد انتهت الوثنية، ولكنها لم تلق إبادة كاملة، بل إنها تغلغلت في النفوس واستمر كل شيء فيها باسم المسيحية، وفي ستارها. فالذين تجردوا عن آلهتهم وأبط لهم وتخلوا عنهم، أخذوا شهيدًا من شهدائهم، ولقبوه بأوصاف الآلهة، ثم صنعوا له تمثالاً، وهكذا انتقل هذا الشرك وعبادة الأصنام إلى هؤلاء الشهداء المحليين. 

ولم ينته هذا القرن حتى عمت فيه عبادة الشهداء والأولياء، وتكونت عقيدة جديدة، وهي أن الأولياء يحملون صفات الألوهية، وصار هؤلاء الأولياء والقديسون خلقًا وسيطا بين الله والإنسان يحمل صفة الألوهية على أساس عقائد الأريسيين. وأصبحوا رمزا لقداسة القرون الوسطى، وورعها وطهرها، وغيرت أسماء الأعياد الوثنية بأسماء جديدة حتى تحول في عام ٤٠٠ ميلادي عيد الشمس القديم إلى عيد ميلاد المسيح . 

وجاء في دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة تغلغل الاعتقاد بأن الإله الواحد مركب من ثلاثة أقانيم في أحشاء حياة العالم المسيحي وفكره، منذ ربع القرن الرابع الأخير، ودامت كعقيدة رسمية مسلمة عليها الاعتماد في جميع أنحاء العالم المسيحي، ولم يرفع الستار عن تطور عقيدة التثليث وسرها إلا في المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر  الميلادي .

لقد اندلعت الحروب بين النصارى، وكفر بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً، وانشغل النصارى ببعضهم عن محاربة الفساد وإصلاح الحال، ودعوة الأمم إلى ما فيه صلاح البشرية .

أما المجوس : فقد عرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية، أعظمها النار، وانتشرت بيوت النار في طول البلاد وعرضها، وعكفوا على عبادتها، وبنوا لها معابد وهياكل وكانت لها آداب وشرائع دقيقة داخل المعابد، أما خارجها فكان أتباعها أحرارا، يسيرون على هواهم لا فرق بينهم وبين من لا دين له.

ويصف المؤرخ الدنماركي طبقة رؤساء الدين، ووظائفهم عند المجوس في كتابه (إيران في عهد الساسانيين فيقول: كان واجبًا على هؤلاء الموظفين أن يعبدوا الشمس أربع مرات في اليوم، ويضاف إلى ذلك عبادة القمر والنار والماء. 

وكانوا مكلفين بأدعية خاصة، عند النوم والانتباه، والاغتسال ولبس الزنار، والأكل والعطس، وحلق الشعر، وتقليم الأظفار، وقضاء الحاجة وإيقاد السرج، وكانوا مأمورين بألا يدعوا النار تنطفىء، وألا تمس النار والماء بعضها بعضا، وألا يدعوا المعدن يصدأ لأن المعادن عندهم مقدسة.

وكان أهل إيران يستقبلون في صلاتهم النار، وقد حلف (يزدجرد)  آخر ملوك الساسانيين  بالشمس مرة وقال: أحلف بالشمس التي هي الإله الأكبر». وقد دان المجوس بالثنوية في كل عصر، وأصبح ذلك شعارًا لهم، فآمنوا بالهين اثنين، أحدهم النور أو إله الخير، والثاني الظلام أو إله الشر.

أما البوذية في الهند وآسيا الوسطى فقد تحولت وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل وتنصب تماثيل بوذا حيث حلت ونزلت .

أما البرهمية: دين الهند الأصلي فقد امتازت بكثرة المعبودات والآلهة، وقد بلغت أوجها في القرن السادس الميلادي، ولا شك أن الديانة الهندوكية والبوذية وثنيتان سواء بسواء، لقد كانت الدنيا المعمورة من البحر الأطلسي إلى المحيط الهادي غارقة في الوثنية، وكأنما كانت المسيحية واليهودية والبوذية والبرهمية تتسابق في تعظيم الأوثان وتقديسها، وكانت كخيل رهان تجري في حلبة واحدة.

وقد أشار النبي ﷺ إلى عموم هذا الفساد لجميع الأجناس، وجميع المجالات بلا استثناء، فقد قال ﷺ ذات يوم في خطبته : ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب .

والحديث يشير إلى انحراف البشرية في جوانب متعددة كالشرك بالله، ونبذ شريعته وفساد المصلحين من حملة الأديان السماوية، وممالأتهم للقوم على ضلالهم .

تعليقات