الحجامة تعتبر من الممارسات العلاجية القديمة التي عرفت واشتهرت في مختلف الحضارات، بما فيها المجتمعات العربية. وقد وردت أحاديث صحيحة تثبت ممارستها في الإسلام، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره.
فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشفاء في ثلاث: «شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي»، مما يدل على مكانة الحجامة كوسيلة علاجية إلى جانب العلاج بالعسل والكي.
روى البخاري أيضاً أن جابر بن عبد الله عاد المقنع وأشار إلى أهمية الحجامة، قائلاً إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن فيه شفاء. وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم الحجامة بنفسه لمعالجة ألم الشقيقة أثناء إحرامه.
ومن المثير للاهتمام أن الحجامة لا تقتصر على التراث العربي والإسلامي، فهي تعتبر جزءاً من الطب التقليدي الصيني الذي لا يزال يُمارَس حتى اليوم. ويُذكر أن العشاب الصيني جي هونغ (قبل الميلاد) كان من أوائل من استخدموا الحجامة، حيث كان يجري عملية جرح سطح الجلد ثم يسحب الدم باستخدام أدوات بسيطة من قرون الحيوانات.
تعريف الحجامة
لغةً: الحجامة مشتقة من الفعل "حَجَمَ"، بمعنى مصّ، كما يقال: "حَجَمَ الوليد ثدي أمه". وتعني سحب أو تسريب كمية من الدم من مواقع معينة بهدف العلاج أو الوقاية.
اصطلاحاً: تشير الحجامة الجافة إلى العلاج باستخدام الكاسات (Cupping Therapy)، بينما الحجامة الرطبة المتعارف عليها تعتمد على تجميع الدم وسحبه من الجلد.
تطور الحجامة عبر الزمن
شهدت الحجامة تراجعاً مع بداية العصر الحديث، خاصةً في البلاد العربية، لصالح استخدام العقاقير والطب الحديث. ومع ذلك، لم تختف تماماً بل استمرت كممارسة يُجريها عدد قليل من الأفراد بشكل غير مرخص. أما في الصين، فقد بقيت الحجامة جزءاً مهماً من الطب التقليدي، والمريض يخيّر بين الطب الحديث والطب البديل.
وفي السنوات الأخيرة، عادت الحجامة إلى الواجهة بفضل تصاعد الاهتمام بالطب البديل في الدول الغربية والعربية. أُجريت عليها أبحاث علمية حديثة، وأصبحت تُدرَّس وتُمارَس بشكل مُنظم.
أنواع الحجامة
تقوم عملية الحجامة على شفط الدم من أماكن محددة في الجسم تختلف حسب نوع المرض، ويتوفر نوعان رئيسيان للحجامة:
- الحجامة الجافة: حيث يتم شفط الجلد دون إخراج الدم.
- الحجامة الرطبة: تتضمن شق الجلد لإخراج الدم.
- الحجامة المتزحلقة: تُستخدم لعلاج آلام الظهر وشد الجلد.
توضع أكواب أو برطمانات صغيرة على الجلد، ويتم تفريغ الهواء لخلق شفط يساعد في العلاج. في الحجامة الرطبة، يُضاف شق صغير للجلد ليتسرب الدم. بعد الانتهاء، يُنظَّف الجرح جيداً باستخدام مطهر أو عسل النحل.
الأمراض التي تعالجها الحجامة
تُستخدم الحجامة لعلاج عدة أمراض وحالات صحية منها:
- الصداع المزمن والشقيقة.
- آلام العضلات والمفاصل.
- التشنجات العضلية.
- السمنة والنحافة.
- التبول اللاإرادي عند الأطفال والكبار.
- ارتفاع الدهون في الدم.
- البواسير والشرخ الشرجي.
الحجامة في الإسلام
شكلت الحجامة جزءاً من توصيات النبي صلى الله عليه وسلم للعلاج واستُشهد بفعاليتها في الكثير من الأحاديث النبوية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الشفاء في ثلاث: «شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي».
كما وردت توصيات ملائكية بشأن الحجامة ليلة الإسراء والمعراج وفق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما مررت ليلة أُسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي: عليك يا محمد بالحجامة. واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات في حياته لعلاج عدة آلام وأمراض مثل الشقيقة وآلام الأخدعين. وقد أعطى أجراً للحجّام .
أفضل أوقات الحجامة وفوئدها
أوقات الحجامة تعتبر من الأمور التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث النبوية، مشيرًا إلى أفضل الأيام لها مثل السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر القمري. وروي عن أنس بن مالك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى بهذه الأيام لما لهذه المواعيد من أثر إيجابي على الجسم، محذرًا من ترك الدم يتراكم في الجسم، إذ قد يتسبب ذلك في أذى خطير.
ونُقل عن ابن عمر أنه طلب الحجامة عندما شعر بزيادة في الدم، وأوصى بأن يراعي الحجام أن يكون عديم الصغر أو الكبر، مستدلًا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة على الريق كونها أكثر فائدة وشفاءً وبركة، ومؤكدًا على اجتناب أيام معينة مثل الأربعاء والجمعة والسبت والأحد. أما يوم الإثنين والثلاثاء فهما أيامٌ مستحبة للحجامة.
ولم تقتصر فوائد الحجامة في السنة النبوية على الجوانب الصحية فقط، بل جاءت مصحوبة بتوجيهات معنوية وروحية مثل الدعاء، والتوكل على الله، واليقين بأنه هو الشافي والمعافي. كذلك، حثت الأحاديث النبوية على ربط الحجامة بالصدقة والتوبة لأنها من أسباب الخير والشفاء.
موانع ومحاذير العلاج بالحجامة
أما موانع ومحاذير العلاج بالحجامة فتشمل تجنبها لبعض الحالات المرضية مثل مرضى السكري وسيلان الدم إلا بتقدير طبي. كما يُمنع إجراؤها للمصابين بالأورام الخبيثة أو ممن يعانون التهابات جلدية إلا تحت إشراف مختص.
يُوصى بالاحتياط عند إجرائها لكبار السن والأطفال وللأشخاص المصابين بأمراض نفسية وهياج، بالإضافة إلى الحذر مع المصابين بفشل كلوي أو التهاب الكبد الفيروسي وأولئك الذين يعانون فقر الدم أو انخفاض ضغط الدم.
لابد من مراعاة أن توقيت الحجامة يلعب دورًا في نجاحها، حيث يُفضل عدم إجرائها بعد تناول الطعام مباشرة أو أثناء الإجهاد. كذلك، يُنصح بتجنب الطعام الثقيل بعدها والتركيز على الأطعمة الخفيفة. أما بالنسبة للحوامل، فيُحذر من إجرائها خلال الأشهر الأولى أو بالقرب من البطن والحوض.
من الضوابط الأخلاقية والصحية المهمة في الحجامة الحفاظ على الستر أثناء إجرائها، وأن تتولى النساء المختصات هذا الإجراء للنساء أو يتم بحضور محرم.
في النهاية: وعلى الرغم من التطور الطبي الحديث وانتشار العلاجات الحديثة، لا تزال الحجامة واحدة من العلاجات الطبيعية التقليدية المحبذة لما لها من فوائد مثبتة حين تُستخدم بشكل صحيح ووفق الشروط الصحية المناسبة.